الصمت المرعب
يواجه لبنان كثير من تحديات متشعبة تأتيه من جنوبه تارة ومن شماله وربما شرقه طوراً، لتتقصد بشكل محدد المناطق التي تحتضن الوجود الشيعي بشكل كبير، مما يؤثر على هذه الفئة في نواح عدة سلبية في معظمها، تتراكم مع بعضها، تاركة ثقلاً كبيراً على ثنائي الطائفة الشيعية، وتقتص بشكل كبير من أنصار وقواعد ومحازبي التيار الأصفر، دونما أي رد مُعتبر لغاية تاريخه، مما ترك كثيراً من أسئلة باتت الإجابة عليها، بالفعل لا بالقول، واجبة، بل واجبة جداً لدرجة تضعضع الشكاكون، وكثر المتكهنون بأن ذلك التنظيم الأصفر، فقد الكثير من امتيازات ساهمت ظروف المنطقة أن يتملكها فترةً من الزمن، ولم يقتصر ضعفه على العسكر فقط، بل تعداه الى الضعف السياسي أيضاً، حتى أضحى ذلك التنظيم هرماً لا يقوى على المواجهة بل لا يقوى عن الدفاع عن نفسه في كثير من الأحيان، ولولا الإحتضان الأخضر للشقيق الشيعي لكان اليوم في خبر كان، ولبات اللبنانيون يستشهدون بتواريخ زواله التي صارت حينما يذكرون أي مناسبة، فما هي الحقيقة التي باتت وهل بات ذلك الغضنفر بهذا الضعف والهشاشة ؟ وهل اقتربت خواتيمه العسكرية والسياسية معاً ؟!
أسئلة مشروعة توَجَه من محب خائف على نهج قدم ما قدمه وضحى بخيرة رواده وقادته قرباناً ومشعالاً نحو العلو الأسمى، أو من شامت يغمز في طيات أسئلته ويضيف الكثير من سُميّتِه في عسل سؤاله .
المراقب والمتابع لكل ما يجري، الحريص بشكل عام، دق ناقوس الخطر، وأحس بإقتراب نهايات ذلك التنظيم، خصوصاً مع ما ترافق من حرب إسرائيلية فظيعة، خلّفت معها كثيراً من قادة وكوادر ذلك التنظيم وصولاً الى أمينيه العامين، الذي كان والذي تلاه بأيام، لتشكل معها ضربة قاسمة، توصل الى حد الهلاك لمن يتعرض لها، فما بالك بحزب عقائدي لم تتخطى سنين وجوده نصف قرن، بل أقل من ذلك ببعض سنوات .
ما حصل ويحصل ترك كثيراً من علامات استفهام وتعجب وربما شماتة وشعور بنشوة النصر، وأحس الجميع، محبين وكارهين، بأن ساعة الحسم اقتربت، بل أتت ربما وبأن نتنياهو صدق في كلامه عن بناء شرق أوسط جديد خالٍ من كل هؤلاء الذين يمنعونه من أن يهنأ بما أنجزه وسينجزه .
النظرة بسطحية الى ما يجري، وعدم قراءة مجريات الأمور بموضوعية وبمعرفة قد يظن أن كل ما تقدم واقع، بل إنه وقع فعلاً وانتهى زمن المقاومة بنهاية هؤلاء الرجالات ولربما احتجنا الى عقود في أحسن الأحوال لإعادة بناء ما تهدم وترميم المشهد بالقدر الممكن وبأن إسرائيل، تربعت على عرش المنطقة لعقود دون أي ندٍ أو تحدي، أما التعمق ولو قليلاً والنظرة العميقة الى حقيقة المجريات، فإنه يتبين له العكس ويعرف أن الغضنفر لا يزال، والقوي يزداد قوة، وبأن الراية الصفراء باقية خفاقة ترفرف عالية، واعدة بأحداث وأفعال تدهش الجميع .
لا أتحدث إفتراضياً ولا أتكلم دون امتلاك قليل مما يفيد ويؤكد ما أوردته، وإلا لم أكن لأتجرأ أن أخط كلماتي في هذا السياق، ولكنت اكتفيت بالدعاء والسُترة والنجاة مما هو قادم . الدعاء واجب خاصة في هذه الظروف، لكنه يترافق مع وعي وفهم وقراءة موضوعية لحقيقة ما يجري وما سيجري، معتمداً على كل ما أراه وأعرفه، عارفاً أن ظني وظنون الكثيرين بذلك الجبل الأصفر لم تخب يوماً أو تتزلزل .
حتى لا يُقال عني المتفائل في غير موضع التفاؤل، فلنتشارك جميعاً بسرد بعضٍ مما يجري، كي يطمئن الحريصون ويعرفوا صوابية قرارهم الذي ما خاب يوماً .
التعيينات التي اتسمت بالقياسية في سرعتها ودقتها وحُسن خياراتها لكل القيادات التي خسرتها الجبهة من الأمين العام وما يتبعه من قادة الصف الأول والثاني والثالث، كانت مذهلة بسرعتها وتناسبها بطريقة منهجية، تعطي دور البديل أن يكمل دور من سبقه بسلاسة وانسيابية لدرجة لم يترك رحيل هؤلاء القادة أي أثر سوى المعنوي على فقدانهم، وتابعت مروحة العمل بطريقة متكاملة، كما كانت وأفضل في بعض المواقع .
الصمت والهدوء المتعمد في كثير جبهات، تارة لدفع الدولة الى تحمل مسؤولياتها، كالجنوب مثلاً وهو أمر لن تقوى عليه، أو دفع من هم أصحاب حقوق وأملاك، تاريخياً، كما يحصل في البقاع بالإضافة الى الإحتضان الكامل، السري في معظم الأحيان وعدم ترك العشائر والعوائل الموجودة هناك من أن تعاني وحيدة، في ظل تقاعس وتقصير من الدولة، متعمد أحياناً، والوقوف مع كل العوائل المتواجدة هناك دون تركها، كتفاً بكتف، ويداً بيد، للزود عنهم تجاه أي غازٍ أو معتدي، كيف وقد خبر أولئك سابقاً تَمرُسَ تلك السواعد ومعرفتها كيف توجع، وهم الذين ذاقوا مرارة الإشتباك معهم منذ القصير والسلسلة الشرقية، وحمص وبادية سورية حتى حلب و إدلب، وهم العارفون اليوم حقاً من أين تأتيهم تلك الرصاصات وتصيبهم في مقتل، وهم الذين خبروا القتل سابقاً بنفس الزند والزناد .
لا أدعي التفاؤل المفرط فيما أذكره بل أسرد واقعاً لم يعد بالخافي على أحد . ليست تمنيات أطلبها أن تعود بعد أن تبخرت وزال ذلك الرعب الأصفر والغضب القاتل، بل هي وقائع تؤكدها كل الأحداث، فجبهة الجنوب ستُفْشِل الدولة وتؤكد معها الحاجة الى معادلة ذهبية خالدة، قالها الأمين الشهيد يوماً ولا زالت ولا تزال وستبقى الدستور الوحيد لبقاء لبنان عزيزاً مُصاناً عصياً على كل عاص، ولا تزال تلك المعادلة فاعلة في أقاصي الحدود، شرقها وبقاعها الشمالي، زارعة رعباً في قلوب أولئك الذين عاشوا نشوة النصر قليلاً، وسرعان ما استفاقوا على واقع ما غادرهم ولن يغادر، خلاصته بأن أماكن وطئة أقدام أولئك البواسل، هي الفيصل في كل ما هو قادم كما كانت قبلاً، وفي معرض الكلام وعرض القوة المخيفة والمخفية، أقول، راقبوا الضربات الإسرائلية نحو الداخل اللبناني وبعض السوري لتعلموا أن خطوط إمداده لا زالت بخير تؤدي المطلوب وأكثر .
خلاصة القول، أن صمت الحزب الاصفر، لم يكن ضعفاً في يوم من الأيام ولن يكون، فقضية القدس، بوصلة الجهاد لا زالت هي المحور وأم المعارك، والصمت المُتَعمد اليوم ، سيلحقه صخب جارف كبير، يغير في كثير من مفاهيم وجغرافية وربما عقائد في المنطقة كلها من أقصاها الى أقصاها .
*إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً بإذن الله .*
حمزة العطار