حي الشراونة في بعلبك… الحرمان يحيله ملاذاً لتجار المخدرات و«الطفّار» لجأ إليه أفراد من «آل جعفر» في الخمسينات بحثاً عن مدرسة
حي الشراونة في بعلبك… الحرمان يحيله ملاذاً لتجار المخدرات و«الطفّار»
لجأ إليه أفراد من «آل جعفر» في الخمسينات بحثاً عن مدرسة

أضاءت اقتحامات الجيش اللبناني المتكررة لحي الشراونة في بعلبك في شرق لبنان، والعمليات الأمنية الأخيرة فيه، على هذا الحي الذي لجأ إليه كبار المطلوبين لتهم المخدرات، وإطلاق النار، وسرقة السيارات، والخطف مقابل فدية، وهو ما يُطلق على تسميتهم محلياً «الطفار»، أي الذين يفرون من الملاحقات، ولا يرتبطون بعنوان سكن محدد.
ويقع حي الشراونة في الجهة الغربية من مدينة بعلبك، وهو أكبر أحيائها، إذ يمتد على مساحة 10 آلاف متر مربع، وتسكن الجهة الشمالية من الحي غالبية من عشيرة آل زعيتر، أما القسم الجنوبي فتسكنه عائلات أغلبية من عشيرة آل جعفر، إلى جانب عائلات من آل نون، ومدلج، وشلحة.
تاريخ إنشاء الحي
بدأ إنشاء حي الشراونة في العام 1950 عندما وصل عدد لا يتجاوز أصابع اليد من أعيان عشيرة آل جعفر هرباً من ضيق سبل العيش من منطقة دار الواسعة مسقط رأس العشيرة التي تبعد عن مدينة بعلبك مسافة 30كلم، بسبب عدم وجود مدرسة رسمية، وعدم توفر وسائل النقل في حينها، وكانوا يلجأون إلى المدينة من أجل بيع منتجاتهم الزراعية من التفاح، والمشمش، والكرز.
في العام 1958، شرع آل جعفر في عملية بناء منازل في حي الشراونة على عقارات أميرية، مستغلين الثورة ضد الرئيس الراحل كميل شمعون، وحلف بغداد. ووفرت مواقفهم السياسية آنذاك التغطية السياسية لنشوء الحي. وبعد الحرب الأهلية، تمددت المنازل بكل الاتجاهات، لتحتل المساحة الكبرى في خاصرة المدينة الغربية.
سيطر نفوذ عشيرة «آل جعفر» على الحي، ويسكنون الآن ثلث مساحته، ويشكلون ثلث عدد سكانه، وجنح بعض من الشباب نحو تجارة الحشيشة والمخدرات إلى أن بدأ يؤوي مطلوبين للدولة اللبنانية، علماً أن الحي يؤوي أيضاً نخباً مثل المحامين، والموظفين، والتجار، ويشكلون الآن 85 في المائة من عدد سكانه.

يقول نجل مؤسس حي الشراونة صبحي جعفر الذي رافق الإمام موسى الصدر في السبعينات: «حقيقة الوضع تختلف على الأرض. معظم الناس بدأوا في مغادرة الدار الواسعة، بسبب عدم وجود مدرسة، وتركوا البلدة بسبب الإهمال، ولجأوا إلى حي الشراونة منذ أكثر من خمسين سنة».
انخراط بمشروع الدولة
يطالب صبحي جعفر (أبو أسعد) المعنيين في الدولة بإعادة دمج الحي بمشروع الدولة، ويلقي باللوم على الوضع الاقتصادي الذي أوصل الحي إلى ما هو فيه، ويقول: «أحببنا الانخراط بمشروع الدولة، وزرنا قادة الجيش، وطلبنا الدخول بالأسلاك الأمنية في قوى الأمن الداخلي والجمارك، لكن نادراً ما تمت تلبية مطالبنا، ولا أنكر أن قائد الجيش الأسبق العماد جان قهوجي ساعدنا في تطويع 50 عنصراً من آل جعفر في السلك العسكري آنذاك». ويشير إلى أن قسماً من شباب العشيرة «سافر إلى خارج البلد، بينما الآخرون تحولوا إلى طفار، ومطلوبين».
وأضاف: «60 في المائة من المطلوبين أصبحوا في سجون الدولة، وبعضهم قاوم الأجهزة الأمنية خلال المداهمات، فقُتِلوا، كما أن الدولة اتخذت قراراً بتصفية عشرة منهم على الأقل، وعملت على ذلك خلال السنوات الماضية، أما الباقون فقد غادروا إلى خارج المنطقة، والحي يتعرض بشكل يومي للمداهمات والتفتيش عن ممنوعات».

سيطرة الجيش على الحي
خلال السنوات الماضية، تزايدت الإشكالات المسلحة، والفوضى، وعمليات الخطف والقتل والسلب، والاعتراض المسلح لدوريات الجيش والأبرياء على الطرقات الدولية، بهدف السلب والسرقة، بالإضافة إلى عمليات إطلاق النار عند كل مناسبة، والانفلات الأمني حول صغائر الأمور، وقد تحول الحي إلى ملجأ لتجار الممنوعات، وكبار المطلوبين، والعصابات المسلحة، وغالباً ما كانت تتصدر وسائل الإعلام المحلية والأجنبية نشرات الأخبار.
في منتصف العام 2022، تمكن الجيش اللبناني من بسط سيطرته على كامل الحي، فضرب بيد من حديد تجار الممنوعات، ما أدى إلى فرار الكبار منهم من أمثال أبو سلة الذي قتل في صيف 2025 خلال مواجهة مع الجيش، كما فككك الجيش وصادر عدداً من معامل تصنيع المخدرات، وعمل على مصادرة أسلحة وممنوعات وذخائر وسيارات مسروقة، وتحرير عدد من الرهائن.
سقوط التغطية عن المطلوبين
يهمس البعض حول وجود تغطية سياسية وأمنية كانت تحصل، لكنها سقطت أخيراً، حيث تكثّفت عمليات الملاحقة للمطلوبين والمهربين وكبار تجار المخدرات والمروجين. وتشير معلومات من داخل الحي إلى أن عدد المطلوبين في الحي كان نحو 200 مطلوب، وتم توقيف القسم الأكبر منهم، وزجهم في السجن، بينما فر قسم آخر منهم.

