الإخبارية اللبنانية

أخبار لبنان والعالم

أخبار سياسية - محلية وعالمية

الجرائم الإلكترونية بين الواقع والقانون

الجرائم الإلكترونية بين الواقع والقانون

للكاتب والباحث القانوني يوسف حنا الخوري .

نادراً ما تعنى قوانين العقوبات بالنص على تعريف عام للجريمة وقد إنتهج قانون العقوبات اللبناني نهج غالبية القوانين، فلم يتضمن تعريفاً عاماً للجريمة، إكتفى بالنصوص الخاصة التي تعرف بعض الجرائم وتلك التي تبين أركان البعض الآخر ونظراً للتطور المتلاحق والمذهل في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، والتزايد الملحوظ في نسبة الجرائم الإلكترونية وخاصة قِبَل المستهلك، ومع خطورة الطرف الآخر – المجرم المعلوماتي – والذى يتسم بقدر عالٍ من الذكاء، وأيضاً القدرة على التخفي والتخلص من الجريمة في ثوانٍ معدودة، فالتعامل هنا هو مع نوعاً خاصاً من المجرمين فمعظمهم من فئة عمرية ما بين الرابعة عشر والثلاثين، ينتمون إلى طبقات إجتماعية عالية ومتوسطة وقليلاً ما نجد من بينهم العمال الغير متعلمين، فنحن أمام شكل مختلف من الجريمة أو من طرفيها الجاني والمجني .
عمل المشرع اللبناني على إستحداث قوانيين معاصرة للجرائم الحديثة وأهمها جرائم الإنترنت فكان القانون رقم ٨١ تاريخ 10/10/2018 (المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي) الذي إستفاض في تحليل هذه الجرائم وواقعها وتطرق الى كل واحدة منها على حدا.
ونص قانون العقوبات اللبناني في مادته 281 على ما يلي: “يعاقب بالحبس من دخل او حاول الدخول الى مكان محظور بقصد الحصول على أشياء ـو وثائق ـو ملومات يجب ـن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة”. وقد عالجت المادتين 282 و283 من قانون العقوبات اللبناني أنه من يقدم على سرقة أو حيازة وثائق أو معلومات كالتي ذكرت في المادة 281 بقصد إفشائها بالحبس ويمكن أن تكون هذه المعلومات أو الوثائق المذكورة أعلاه مسجلة على أشرطة إلكترونية أو أسطوانات مدمجة تستعمل في الحاسوب الاآلي .
تعاظمت الجرائم الإلكترونية في الأعوام السابقة في المجتمع اللبناني. ورغم كل الإجراءات التي تتخذ على صعيد السلطات في هذه الدولة أو تلك، ظلت تتزايد وتأخذ أشكالاً مختلفة وجديدة أيضا.
في هذا الفضاء اللامتناهي تحدث جرائم الإنترنت كل ثانية، بل أقل من جزء من الثانية، مما دفع مؤسسات وشركات لبنانية من كل الأحجام، إلى وضع هذه المسألة في صلب إستراتيجياتها، والسبب أن الخسائر الناجمة عن هذه الجرائم والإحتيال الإلكتروني هائلة، تصل في بعض الأحيان إلى تهديد وجود الجهة المستهدفة نفسها. أما على صعيد الأفراد، فالأمر ليس أفضل، بل يمكن القول إنه أسوأ، لأن هذه الشريحة من “الضحايا” لا تمتلك الثقافة الإلكترونية اللازمة للحيلولة دون وقوعها في مطب المجرمين المنتشرين في أصقاع الأرض، فضلاً عن أولئك الذين لا يعرفون أصلاً الدخول إلى حساباتهم المصرفية عبر الإنترنت.
جرائم الإنترنت ترتفع، في حين يرى المختصون أن الوعي بالأمن الإلكتروني لدى أغلبية الأفراد وعديد من الشركات اللبنانية لا يزال ضعيفاً جداً، مقارنة بحجم التهديدات في هذا المجال. ولذلك تصف الجهات المختصة هذه الجرائم بـ” الوباء” الآن، ليس فقط لأنها إرتفعت من حيث العدد، بل تسببها في خسائر كبيرة جداً. لا أحد يستطيع أن يحسم حجم الخسائر تماماً، وبالطبع، كما في الجرائم التقليدية، لا يبلغ عن جرائم الإنترنت كلها ، خصوصاً على صعيد الأفراد والشركات اللبنانية التي لا تملك نظاماً أمنياً على الشبكة الدولية.
بالطبع هناك مراكز لهؤلاء الذين يرتكبون الجرائم الإلكترونية حول العالم، ولكنهم منتشرون في كل مكان بنسب متفاوتة. فإيران وكوريا الشمالية تتصدران البلدان الأكثر إحتضاناً لجرائم الإنترنت، ولاسيما أنهما لا يتعاونان مع الجهات الدولية المختصة في هذا المجال. فقد تحول هذان البلدان مع الوقت إلى مركزين رئيسين للقرصنة بأنواعها كلها. الأسباب كثيرة لإرتفاع معدلات الجرائم الإلكترونية، من بينها بالطبع توفر البرامج التشغيلية الرخيصة جداً، و في بعض الأحيان المجانية، ما تعطي القدرة لأي جهة تمارس الإحتيال على الإنترنت المضي قدماً في أعمالها الإجرامية هذه. إلى جانب تزايد أعداد البشر الذين يستخدمون الإنترنت حول العالم، التي هي بدورها أصبحت رخيصة من حيث تكاليفها، فضلاً عن التسهيلات التي تقدمها لهم في كل المجالات. هذه الجرائم لن تشهد تراجعاً في مستقبل المجتمع اللبناني، إلا إذا وجدت إتفاقات دولية تتيح مزيداً من حرية الحركة لجهات إنفاذ القانون، وضرورة تعاون الذين يتعرضون للقرصنة الإلكترونية، عبر الإبلاغ عنها، وتوفير التفاصيل اللازمة للجهة المختصة.
ولا بد من من الغوص تفصيلياً في إحدى جرائم الإنترنت وهي جريمة الإبتزاز الإلكتروني التي تقوم على تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو إستغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة لجهة العمل أو غيرها من الأعمال غير القانونية.
عالج قانون العقوبات اللبناني الإبتزاز وإعتبره جريمة بموجب المادة 650 منه التي نصت على ما يلي: “كل من هدد شخصاً بفضح أمر او إفشائه أو الإخبار عنه وكان من شأنه ان ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه لكي يحمله على جلب منفعة له أو لغيره غير مشروعة عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة حتى ستمائة الف ليرة. تشدد العقوبة وفقا للمادة 257 عقوبات بحق الفاعل إذا كان الأمر الذي يهدد بفضحه قد إتصل بعمله بحكم وظيفته أو مهنته أو فنه.
يتبين لنا مما تقدم أن القضاء اللبناني رغم كون القوانيين الحالية غير كافية لمعاقبة كل أنواع الجرائم التي إستجدت نتيجة التطور التكنولوجي الحاصل فهو لم يتوانى عن لعب دوره بشكل فاعل إلى حد كبير ولكن رغم ذلك فإن الحاجة تبقى ماسة لإصدار تشريعات خاصة بجرائم الإنترنت والتوقسع على الإتفاقيات دولية يكون من شأنها الإحاطة بشتى أنواع التعديات الالكترونية.

شارك الخبر
error: !!