العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية .
للكاتب وباحث قانوني في القانون الدولي الجزائي يوسف حنا الخوري .
شكلت الجرائم الدولية إنتهاكات جسيمة للقانون الدولي وتحديداً القانون الدولي الإنساني وقانون الحروب الوارد في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لحقوق الانسان. وتقع هذه الإنتهاكات تحت إختصاص كل من المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ومحكمة العدل الدولية (ICJ) وكل من هاتين المكمتين لهما الدور الأكبر والأهم في دعم حالة القانون والعدالة حول العالم. حيث أن المحكمة الجنائية الدولية تتكفل بدور محاكمة الافراد الذين يرتكبون الجرائم الأكثر شناعة (الجرائم الدولية المححدة حصراً في نظام روما الأساسي وهي الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الإبادة الجماعية، جرائم الحرب وجريمة العدوان). بينما محكمة العدل الدولية تتكفل بمحاكمة الدول، كما حصل منذ فترة ليست ببعيدة حيث قامت دولة جنوب أفريقيا برفع دعوى ضدّ إسرائيل متهمةً إياها بإرتكاب جرائم إبادة جماعية في فلسطين المحتلة أمام محكمة العدل الدولية وأصدرت الأخيرة قرارها بتاريخ 26 يناير 2024. وقد ساهمت المحكمتين في المحاسبة ومنع الإنتهاكات والجرائم الدولية بشكل كبير ومهم ولكن الظروف في عدة قضايا تتعلق بالجرائم والإنتهاكات الدولية وضعت أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في الوقت ذاته والجرائم ذاتها مثل قضية البوسنة ضد صربيا وقضية ميانمار .
إذاً، محكمة العدل الدولية (ICJ) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC) كلاهما مؤسستان قضائيتان دوليتان، لكن لهما صلاحيات ووظائف مختلفة.
محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة (UN) ويقع مقرها في لاهاي (هولندا). تأسست في عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة ولها ولاية قضائية على النزاعات بين الدول التي تخضع لولايتها القضائية إما بموجب معاهدة أو عن طريق قبول الولاية القضائية الإجبارية لمحكمة العدل الدولية. يتمثل دور محكمة العدل الدولية في تسوية النزاعات القانونية بين الدول وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة. تتألف محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات.
من ناحية أخرى، فإن المحكمة الجنائية الدولية هي منظمة دولية مستقلة تم إنشاؤها بموجب نظام روما الأساسي في عام 2002. تتمثل ولاية المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة الأفراد على أخطر الجرائم ذات الإهتمام الدولي التي سبق وقمنا بذكرهم. المحكمة الجنائية الدولية ليست جزءًا من منظومة الأمم المتحدة ولكنها تتعاون معها، ويستند إختصاصها إلى مبدأ التكامل، مما يعني أنه لا يمكنها التدخل إلا عندما تكون المحاكم الوطنية غير راغبة أو غير قادرة على مقاضاة مثل هذه الجرائم. تتألف المحكمة الجنائية الدولية من مدع عام ومسجل و 18 قاضياً تنتخبهم جمعية الدول الأطراف لمدة تسع سنوات.
كثر النقاش حول المشاكل التي عانت منها كا من المحكمتين والتي حدت بشكل ملحوظ من فاعلية العمل القضائي للمحكمتين فالمحكمة الجنائية الدولية واجهت تحديات كبيرة حيث أن التعاون الدولي من الدول الموقعين على نظام روما لم يكن كافياً بل وحتى أن بعض الدول عرقلت عمل المحكمة ومن أبرز الإجراءات التي حصلت للمحكمة هي عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على مسؤولي المحكمة إضافة الى أن تمويل المحكمة يأتي من هذه الدول وقد عانت أيضا من شح في التمويل. كما وتم إنتقاد المحكمة في موضوع حماية الشهود وقلة المحاكمات حيث أن الإجراءات التي تتبعها المحكمة تعتبر غير كافية في هذا الخصوص.
أما محكمة العدل الدولية فلم تنج من المشاكل والتحديات فقد تعرضت شرعية المحكمة وحيادها للخطر بسبب القضايا المتعلقة بإنتخاب وإعادة انتخاب قضاتها، وأدوار أعضاء مجلس الأمن الدائمين في محكمة العدل الدولية، ودور المحكمة الإلزامي، وتعيين القضاة الخاصين من قبل الأطراف أمام المحكمة.
بإختصار، تتمثل ولاية محكمة العدل الدولية في تسوية النزاعات القانونية بين الدول وتقديم آراء إستشارية، بينما تتمثل ولاية المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة الأفراد على الجرائم الدولية الأكثر خطورة. تلعب كلتا المؤسستين دوراً مهماً في تعزيز العدالة الدولية وسيادة القانون، لكن لهما وظائف مختلفة وتعملان في ظل أطر قانونية مختلفة.