تنازع الإختصاص بين المحكمة العسكرية والمحاكم العادية
يتميز القضاء الجزائي في لبنان بالإلتزام بمبدأ “لا جريمة دون نص” (المادة الأولى من المرسوم الإشتراعي رقم 340 تاريخ 1/3/1943 “لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي او اصلاحي من اجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه …” ، وهو يعد الضمانة الأساسية لحرية الفرد وأمنه وإستقراره، ويحمي حقوقه في سلامة جسده وكرامته وممتلكاته الشخصية. وتعتبر العلاقات الصحية بين الفرد والمجتمع المحيط به، وبين المواطن والدولة التي تحمي مصالحه العامة، أساس إستقرار الأمور والوصول إلى حلول للمشكلات التي تنشأ بين مصالح الأفراد، من خلال إلتزامهم بالخير العام والمصلحة العامة للبلاد.
ومع ذلك، تحتاج بعض الحالات الإستثنائية إلى محاكم خاصة ضمن إطار القضاء الجزائي العام، والتي تختلف عن المحاكم العادية، وتتميز بخصوصيتها في الإختصاص الشخصي والموضوعي، وفي إجراءات المحاكمة وصياغة الأحكام الصادرة عنها. ومن أمثلة هذه المحاكم المحكمة العسكرية، التي تتميز بدورها الخاص وتنظيمها المميز، والتي تحقق في جرائم خاصة بالجيش والقوات المسلحة. ويجب أن لا تحول هذه الخصوصية دون إستخدام القوانين الجزائية المطبقة لدى القضاء العادي في حالات الإقتضاء.
تتمكن المحاكم العادية في لبنان من النظر في جميع الجرائم الجزائية بموجب نص عام، ما لم يوجد نص خاص يمنعها من النظر في بعض الجرائم. وفي حال وجود جرائم تتطلب إختصاصاً خاصاً، يتم تحويلها إلى محاكم إستثنائية وفقاً لقانون خاص يحدد إختصاصاتها بشكل دقيق. تقتصر مهمة هذه المحاكم على النظر في فئة محددة من الجرائم بموجب أسس قانونية خاصة، مما يجعلها مختلفة وأكثر تخصصاً من المحاكم العادية. ومن بين المحاكم الإستثنائية في لبنان: محكمة الأحداث، ومحكمة المطبوعات، والمجلس العدلي، والمحكمة العسكرية.
يركز النص على دستورية المحاكم في لبنان، فتختص المحاكم الاستثنائية بالنظر في قضايا معيّنة وفقاً للتشريعات الخاصة، وهناك عدة أنواع من هذه المحاكم سبق وتمَ ذكرهم.
لطالما إعتبر التنازع في الصلاحّيات بين المحاكم مسألة شائكة، فمن المعلوم أنه في حال وجود هذا التنازع بين مرجعين قضائّيين مختلفين، يكون من الضروري اللجوء إلى مرجع خاص للبت بهذا التنازع من أجل تحديد المرجع المختص، وقد حّدد قانون اصول المحاكمات الجزائية اللبناني الجديد كافة الإجراءات الواجب اتخاذها في هذا الشأن، بالإضافة إلى ذلك حّدد المرجع المختص للنظر في مسألة تعيين المرجع الصالح للنّظر بالّدعوى موضوع نزاع ، إلا أن هذه المسألة تزداد تعقيداً وذلك فيما يتعلق بتحديد الجهة الصالحة للنظر في القضّية عندما يكون هناك تنازع قضائي بين القضاء العدلي والقضاء الإستثنائي بكل مسمياته.
قانون القضاء العسكري ينتمي إلى فئة القضاء الإستثنائي، حيث يحدد هذا القانون المحاكم العسكرية وينظمها بما في ذلك صلاحياتها وأصولها الواجب إتباعها، بالإضافة إلى تحديد الجرائم العسكرية والعقوبات المناسبة لها. يرتبط هذا القانون بشكل وثيق بقانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، حيث يتم تطبيق قانون القضاء العسكري في حال صراحة نصوصه، ويتم تطبيق قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية في حالة عدم وجود أي نصوص تطبق على الحالة القانونية المعروضة أمام القاضي. يؤكد ذلك المادتان 33 و 99 من قانون القضاء العسكري اللبناني.
وجود المحاكم العسكرية في الظروف الاستثنائية، خاصةً في الوقت الحالي الذي تمر به المنطقة، هو أمر مسلم به من قبل غالبية الحقوقيين. ومع ذلك، فإن صلاحيات هذه المحاكم، بما في ذلك النوعية والشخصية، لجهتَي المضمون والسعة، لا تزال موضوع جدل واسع ومعلّل، مما يطرح قضية جدلية بشأن التشريعات الحالية لهذه المحاكم.
الخلاف الحالي بين الحقوقيين حول هذه المسألة ينبع من رغبة بعضهم في تضييق نطاق صلاحيات هذه المحاكم وحصرها في المسائل الخاصة بالمؤسسة العسكرية وأمنها، في حين يصر آخرون على تعديل الوضع الحالي.
بقلم : يوسف حنا الخوري .