الإخبارية اللبنانية

أخبار لبنان والعالم

أخبار سياسية - محلية وعالمية

المسؤولية الجنائية الدولية في القانون الدولي

المسؤولية الجنائية الدولية في القانون الدولي

للكاتب والباحث القانوني في القانون الدولي الجزائي يوسف حنا الخوري .

يستند مفهوم ‏المسؤولية ‏الجنائيّة ‏الدوليّة إِلى الإعتراف بأنّ بعض الجرائم ‏خَطيرة لدرجة أنها تُعتبر مصدر قلق للمجتمع الدولي ككل، وليس فقط لدولة التي تحدث فيها. تعني المسؤولية ‏الجنائيّة ‏الدوليّة أنه يمكن محاسبة الأفراد الذين يرتكبون هذه الجرائم ‏عن أفعالهم من قبل محكمة عادية أو محكمة جنائِية دولية، بغض النظر عن مكان إرتكب الجرائم أو جنسية الجاني.
فتختلف المسؤولية الجنائية الدولية عن المسؤولية الجنائية الوطنية، حيث تشير المسؤولية الوطنية إلى المسؤولية القانونية للأفراد عن الجرائم التي ترتكب ضمن الإختصاص القضائي لدولة محددة. ومع ذلك، غالباً ما تتشابك مبادئ القانون الجزائي الوطني والقانون الدولي الجزائي بشكل وثيق، حيث يمكن للمحاكم الوطنية أن تلعب دوراً هاماً في محاكمة الجرائم الدولية.
مُنذ القرن التاسع عشر، أصبح مبدأ المسؤولية الدَوليّة من مبادئ القانون الدولي وإستقر فِيه. وإعتبرت المسؤولية ‏الدوليّة مجموعة من القواعد القَانونيّة التِي تحكُم أيّ فعل أو عمل أو واقعة تنسب إِلى أشخاص القانون الدَولي. وقَد أثير جدل وإشكَالية فُقهية حول المسؤولية ‏الجِنائيّة ‏الدوليّة فِي القَانون الدولي، بإعتبار ما ترتكبه الدولة من أفعال تنطوي على خرق النظام العام الدولي، هو جريمة دوليّة تستوجب العقاب، وإن كان بالإمكان إسناد المسؤولية ‏الجنائيّة للدولة بصفتها عضو من أعضاء المجتمع الدولي، أمّ تقتصر المسؤولية ‏الجنائيّة ‏فقط على الأفراد. فإنقسمَت الآراء الفقهية بين مؤيد ومعارض حول هذا الموضوع:
1. الإتجاه الذي تبنى فكرة المسؤولية ‏الجِنائيّة ‏للدولة:
ومن أبرز مؤيديه الفَقيه “Werder”ويرى أصحاب هذا الإتجاه أنَّ الدولة وحدها هي التي تتحمل المسؤولية ‏الجنائيّة ‏الدوليّة، وذلك من منطلق أنّها هي الشخص الوحيد من أشخاص القانون الدولي، الذي يرتكب الجريمة الدوليّة، والقانون الدولي بدوره لا يخاطب إلّا الدول وهو الذي ينظّم العلاقَات فيمَا بين هذه الدول، ومن ثمّة فالفرد لا يستطيع أنّ يشترك في العلاقات الدَوليّة ولا فِي إنشاء القوَاعد الدوليّة، لأنّ هذا الفرد ما هو في نهاية الأَمر، إلّا موضوع من مواضيع القانون الدولي وليس شخصاً من أشخاصه.
يمكننا نَقض هذا الإتجاه من ناحية موضُوع العقوبات، إذ أنَّ جَميع قَوانين العقوبات تعاقب الأشخاص الطبيعيين فقط، لأنّهم يعتبرونهم أشخَاص عاقلين مميزين ولهم إرَادة على عكس الشخص المعنوي (الشركات، المؤسسات، الدَولة…)، الذِي لا يتمَيز بهذه الخصائِص. فلا غِنى مِن وجود إرادة فردية لكي يَتم تطبِيق القَانون الجَزائِي.
وتجدُر الإشارة، بأنّ أنصار هَذَا الإتِجاه بالرغم مِن تأييدهم لفكرة مسؤولية الدَولة الجنائيّة‏، إلّا أنّهم إتخذوا قَراراً فيمَا بعد بأنّ المسؤولية، محلها الأشخاص الطبِيعِيين فقط، فالدولة ما هي إلا مجمٌوعة مِن الأفراد.
2. الإتجاه الذي تبنى فكرة المسؤولية ‏الجنائيّة الفردية:
مِن أبرز أنصاره الفقيه “Glaser”، وقَد ذهبوا بقولهم أنَّ الذي يرتكب الفعل الذي يستوجب المسؤولية ‏الجنائيّة ‏الدوليّة، لا يمكن أنّ يكون محلّه سوى الشخص الطبيعي، سواء إرتكب هذه الجريمة لحسابه الخاص أو لحساب دولته، وذلك من منطلق أنَّ الدولة ماهيّ إلا إفتراض قانوني إبتدعه الفقه وبرّرته ضرورات الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية فقَط يمكننا العودة إِلى الحقبة التي أعقبت إنتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت فكرة المسؤولية ‏الجنائيّة الفردية، وبشكل أدق عند إنعقاد محكمة “نورمبورغ” حيث قرّرت بأحد أحكامها أنَّ المسؤولية ‏الجنائيّة ‏الدوليّة لا يتحّملها إلا أشخاص طَبيعِيون.
لغاية يومنا هذا، غلب هَذَا الإتجاه فِي الفقه الدولي، وهو ما أراه صائباً، وأعني بذلك الإكتفاء بفرض عقوبات مدنيّة على الدول (غرامات مالية، تعويضات…) وفرض المسؤُولية الجنائيّة ‏الدوليّة على الأفراد، لأنَّ الإرادة واجب توافرها لقيام هذه المسؤولية، ‏وهذا ما تفتقده الدولة بإعتبارها شخصاً معنوياً.
في النهاية، إستقرت المحكمة الجنائية الدولية على مسؤولية الأفراد الطبيعيين على المستوى الدولي، بغض النظر عن صفاتهم أو المسؤوليات التي يتحملونها، سواء كانوا رؤساء أو عسكريين أو مواطنين عاديين.

شارك الخبر
error: !!